بقلم: مسار – مجتمع التقنية والقانون
بتكليف وتصور من مركز إتاحة المعرفة من أجل التنمية لمشروع Fairwork، بالتعاون مع معهد أكسفورد للإنترنت ومركز برلين للعلوم الاجتماعية، وبدعم من الوكالة الألمانية للتعاون الدولي (GIZ)
مقدمة
هناك حالة من الحراك التشريعي في القوانين والقرارات الناظمة بشكل مباشر لعلاقة العمل، مثل قانون العمل وقانون التأمينات الاجتماعية، وكذلك التخوم التشريعية التي تتماس أو تؤثر في شكل علاقة العمل والأعباء المترتبة عليها، مثل التشريعات المتعلقة بالمنظمات النقابية وقوانين الضرائب المختلفة. لذلك، من الصعب وضع قراءة تشريعية واضحة تعكس إشكاليات الوضع الحالي، إلا إنه من الممكن وضع لمحة عامة نشير سريعًا من خلالها إلى المشاكل المزمنة التي دائمًا ما يتردد الحديث عنها كلما أعيد فتح النقاش في هذا الملف. ربما يكون من المفيد قراءة هذه الإشكاليات من خلال محاور محددة “محاور تقرير قواعد العمل العادلة” لضمان عدم التشتت بين التشريعات المتعددة التي تتداخل في هذا النطاق
محاور قراءة التشريعات من زاوية قواعد العمل العادلة
ستعتمد قراءة المحاور التالية على توضيح المتغيرات التي حدثت خلال السنوات السابقة، وكذلك بعض التغيرات المتوقع حدوثها، مثل مشروع قانون العمل الذي يتم مناقشته الآن في مجلس النواب
الأجر العادل
“يجب أن يحصل العاملون أياً كان تصنيفهم الوظيفي، علي دخل مقبول في موطن ولاياتهم القضائية مع مراعاة تكاليف العمل ذات الصلة، ونحن نتولى تقييم الأرباح وفقًا للحد الأدنى الإلزامي للأجور في موطن الولاية القضائية، بالإضافة إلي أجر المعيشة الحالي”
يتضمن قانون العمل الحالي نصًا يشكل من خلاله “المجلس القومي للأجور” الحد الأدنى للأجور. إلا أن القانون لا يتضمن ضوابط واضحة تتعلق بقيمة الأجر، حيث يقتصر على إلزام صاحب العمل بسداد الأجر المستحَق للعامل فور انتهاء علاقة العمل. بينما يتضمن مشروع قانون العمل الجديد إلزام صاحب العمل بسداد مستحقات العامل خلال مدة لا تجاوز سبع أيام، وذلك في كل الأحوال دون استثناء، وحظر احتجاز الأجر أو جزء منه لسبب غير قانوني. يستثنى من ذلك حالة ترك العمل من جانب العامل من تلقاء نفسه والتي يكون الالتزام بسداد الأجر خلال مدة لا تجاوز سبع أيام من تاريخ ترك العمل. كما اشترط المشروع الجديد ألا يقل أجر العامل عن الحد الأدنى للأجور
بالنظر للمفهوم الواسع للأجر، نجد أن قانون العمل الحالي يحدد علاوة سنوية للعامل لا تقل عن 7% من الأجر الأساسي للعامل. بينما يحاول مشروع قانون العمل الجديد أن يضع نصًا أكثر إحكامًا، حيث يشير مشروع القانون إلى أن الحد الأدنى للعلاوة الدورية السنوية يساوي 3% من الأجر الأساسي الذي تحسب على أساسه اشتراكات التأمينات الاجتماعية. ولا زالت النصوص المتعلقة بالعلاوة السنوية محل خلاف حتى الآن
ظروف عمل عادلة
“يجب أن تكون للمنصات سياسة سارية لحماية العاملين من المخاطر الأساسية الناشئة عن إجراءات العمل، فضلًا عن أنه يجب عليها اتخاذ تدابير استباقية لحماية وتعزيز صحة وسلامة العاملين.”
الفلسفة التي بنيت عليها القوانين التي تنظم علاقات العمل لم تفرد بشكل واضح مساحة تنظيمية يتم من خلالها النص على حقوق العامل. يمكن القول أن هناك قصور في تعريف حقوق العامل، فالتشريعات الحالية ترى أن الضمانات تنصب بشكل رئيسي على الحقوق المالية للعامل والمتمثلة في الأجر والعلاوات ومكافأة نهاية الخدمة. لكن يوجد قصور واضح لإلزام صاحب العمل بضوابط ومعايير الأمن والسلامة وغيرها من المعايير التي تضمن ظروف عمل عادلة. ويحاول المُشرِّع من خلال مشروع قانون العمل الجديد أن يمنح بعض المزايا النوعية مثل إجازة الوضع، حيث تم زيادة مدة إجازة الوضع للمرأة العاملة لتصبح أربعة أشهر بدلًا من ثلاثة أشهر في القانون الساري. بالإضافة إلى زيادة عدد مرات استحقاق العاملة لها لتصبح ثلاث مرات بحد أقصى طوال مدة الخدمة بدلًا من مرتين بحد أقصى في القانون الساري، وهو ما عارضه ممثلي أصحاب العمل. كما تم زيادة الإجازات السنوية مدفوعة الأجر لتصل إلى خمسة وأربعين يومًا لفئات محددة على سبيل الحصر، وهم من بلغ الخمسين من العمر وذوي الاحتياجات الخاصة والأقزام. وذلك على خلاف القانون الساري الذي بلغ فيه الحد الأقصى للإجازات السنوية المدفوعة ثلاثون يومًا فقط. في المقابل خفض المشروع أيام الإجازات في السنة الأولى من العمل لتصبح خمسة عشر يومًا بدلًا من واحد وعشرين يومًا، وأبقى على مدة الواحد وعشرين يومًا بداية من السنة الثانية
وفيما يتعلق بالعمل الحر، وضع قانون التأمينات الاجتماعية والمعاشات الجديد عام 2019 تصنيفات رئيسية للفئات التي يمكن أن تتمتع بالمظلة التأمينية. والفئات هي العاملين لدى الغير، وأصحاب الأعمال ومن في حكمهم، والعاملين المصريين في الخارج، والعمالة غير المنتظمة. ولم يتطرق القانون لإشكالية أنماط العمل الحر التي استحدثها التطور التكنولوجي والذي يسمح بالعمل عبر المنصات الرقمية. تظهر هذه الإشكالية مع الكثيرين من أصحاب العمل الحر، وذلك لأن القانون الحالي لا يسمح بإدراجهم تحت أي فئة من الفئات الأربعة التي ذكرت على سيبل الحصر. فحتى وإن تم اعتبار العمل الحر كأحد أشكال العمالة غير المنتظمة، لا يزال هناك إشكالية تتمثل في أن قانون التأمينات قد ذكر الوظائف التي يمكن اعتبارها عمالة غير منتظمة على سبيل الحصر دون غيرهم ممن يجوز إدراجهم تحت هذه الفئة
العقود العادلة
“يجب أن تكون الشروط واﻷحكام في المتناول وقابلة للقراءة والفهم، ويتعين أن يخضع الطرف المتعاقد مع العامل للقانون المحلي ولابد من تحديده في العقد. وبغض النظر عن حالة توظيف العاملين، يجب أن يكون العقد خاليًا من البنود التي تعفي المنصة من المسؤولية بشكل غير معقول”
تعتبر عقود العمل من النقاط الشائكة حيث أنها الوسيلة الأساسية لإثبات علاقة العمل. لذلك يحاول مشروع قانون العمل الجديد أن يضع قاعدة “أن الأصل في عقد العمل أنه عقد غير محدد المدة، وإذا كان محُدّد المدة فيُشترط ألا تقل مدته عن سنة.” وأجاز القانون الاتفاق على تجديد عقد العمل لمدد أخرى. كما أجاز أن يكون غير محدد المدة في عدة حالات منها:
- إذا كان غير مكتوب أو مبرم لمدة غير محددة.
- إذا كان مبرمًا لمدة محددة واستمر الطرفان في تنفيذه بعد انتهائها دون اتفاق مكتوب
- إذا كان مبرمًا لمدة محددة واتفق الطرفان على تجديده لمدة تزيد في مجموعها عن أربع سنوات
اشترط القانون في تحرير العقد أن يكون من أربع نسخ. واحدة لمكتب التأمينات، وأخرى للجهة الإدارية المختصة، ونسخة لكل طرف من الطرفين. وفي حالة تحرير العقد بأكثر من لغة تكون اللغة العربية هي المرجع في تفسيره حال وجد اختلاف بين اللغتين. واشترط على صاحب العمل الاحتفاظ بملف العامل لمدة خمس سنوات على الأقل من تاريخ انتهاء علاقة العمل بدلًا من سنة واحدة بالقانون الساري. كما أبقى القانون الجديد على أحقية العامل وحده في إثبات علاقة العمل وما يترتب عليها من حقوق بكافة طرق الإثبات
بالإضافة إلى ذلك، اشترط مشروع العمل الجديد أن تكون الاستقالة مكتوبة وموقعه من العامل أو من وكيله الخاص، واشترط اعتمادها من الجهة الإدارية، وكذلك الأمر بالنسبة للعدول عن الاستقالة. وذلك بخلاف القانون الساري الذي يشترط فقط أن تكون الاستقالة مكتوبة، وهو ما كان يتم استخدامه بشكل تعسفي من خلال إجبار العامل على التوقيع على استقالة احتياطية عند البدء في العمل (التوقيع على استمارة 6)، وقبِّل ذلك بالرفض من بعض ممثلي أصحاب العمل
الإدارة العادلة
“ينبغي وضع إجراءات موثقة تتيح للعاملين التعبير عن آرائهم، و التظلم ضد القرارات التي تؤثر عليهم، والاطلاع على اﻷسباب الكامنة وراء اتخاذ هذه القرارات. ويجب توفير قناة تواصل واضحة للعاملين تمكنهم من الطعن علي قرارات الإدارة أو تعطيل الحسابات، ولا بد من مراعاة الالتزام بالشفافية في استخدام خوارزميات العمليات على النحو الذي يؤدي إلي نتائج متكافئة للعاملين. و يتعين كذلك اعتماد سياسة موثقة ومحددة تضمن المساواة في إدارة العاملين على المنصة (على سبيل المثال، في التوظيف أو التأديب أو فصل العاملين من العمل.”
رغم أن أحد أهداف قانون العمل الجديد حظر التمييز في شروط وظروف العمل بسبب اختلاف الجنس وضمان المساواة بين جميع العاملين متى تماثلت أوضاعهم، وذلك من خلال المادة (3) من المشروع التي حظرت كل صور التمييز بين العمال، والمادة (49) التي حظرت التمييز ضد النساء، إلا أن نص هذه المادة في فقرتها الثانية أهدر هذا الحظر وشكل صورة من صور التمييز ضد النساء. يمنح قانون العمل الجديد الوزير المختص بشئون العمل سلطة إصدار بتحديد الأحوال والمناسبات والأوقات التي لا يجوز تشغيل النساء فيها، وهي امتداد لنص المادة (90) من قانون العمل الساري. بالإضافة إلى ذلك، نجد أن من ضمن أهداف مشروع قانون العمل الجديد تحقيق الأمان الوظيفي من خلال حظر الفصل التعسفي، ووضع ضمانات منضبطة لإنهاء علاقة العمل. لم يتضمن المشروع أي استثناءات تجيز لصاحب العمل فصل العامل، وجعل توقيع جزاء الفصل مع العمل من اختصاص المحكمة العمالية وحدها دون غيرها. كما حظر فصل العامل إلا وفقًا لأحكام هذا القانون، حتى وإن نص عليه في عقد العمل واتفق عليه أطراف العقد، وذلك على خلاف قانون العمل الساري الذي يجيز لصاحب العمل فصل العامل في تسع حالات محددة على سبيل الحصر، وتعرف بحالات ارتكاب الخطأ الجسيم
أما الجزاءات التأديبية التي توقّع على العامل فقد أبقى المشروع على ذات الجزاءات التأديبية المنصوص عليها في القانون الساري، وأضاف لبعض منها شروط محددة، ومنها الإنذار الذي اشترط فيه أن يكون كتابة. كما اشترط أن يسري جزاء الخصم من الأجر وكذلك خفض الأجر على الأجر الأساسي فقط دون أن يمتد لغيره. واعتبر أن السلطة المختصة بالتحقيق مع العامل كأصل عام هي الشئون القانونية للمنشأة، وفي حالة عدم وجودها يعهد لأحد من ذوي الخبرة أو أحد العاملين بالمنشأة الذي لا يقل مستواه الوظيفي عن مستوى العامل الخاضع للتحقيق، ضمانًا لحياد التحقيق. وذلك على خلاف القانون الساري الذي يعتبر أن المختص بالتحقيق بصفة أصلية هو صاحب العمل. أما عن الحق في الإضراب، فقد نظم مشروع القانون حق العمال في الإضراب بشرط اللجوء للمنظمة النقابية للإعلان عن الإضراب. واشترط مشروع القانون إخطار صاحب العمل والجهة الإدارية المختصة قبل عشرة أيام من البدء في الإضراب، إلا أنه حظر الإضراب في الظروف الاستثنائية، دون أي تعريف أو معيار لتحديد مفهوم “الظروف الاستثنائية”. وحظر مشروع القانون الإضراب بقصد تعديل اتفاقية عمل جماعية أثناء سريانها، وحظر الإضراب أيضًا في المنشآت الاستراتيجية التي يترتب على الإضراب فيها إخلال بالأمن القومي أو بالخدمات الأساسية للمواطنين، ومنح الحق لرئيس الوزراء في إصدار قرار بتحديد هذه المنشآت، وهذه الصورة من الحظر امتداد لقانون العمل الساري
التمثيل العادل
“يجب على المنصات اعتماد إجراءات موثقة تتيح للعاملين التعبير آرائهم، و يجب أن يتمتع العاملون، أياً كان تصنيفهن الوظيفي، بالحق في تنظيم هيئات جماعية وينبغي أن تكون المنصات مستعدة للتعاون والتفاوض معها.”
رغم التعديلات الإيجابية الأخيرة على قانون المنظمات النقابية إلا أنه لا يزال هناك إشكاليات أخرى متعلقة بتطبيق مواد القانون، خاصة ما يرتبط بالنواحي الإجرائية لإنشاء المنظمات النقابية، وحدود وصلاحيات السلطة التنفيذية الممثلة في الجهات الإدارية المختصة التي أشار إليها القانون، والتي ترفض في بعض الأحيان استلام وإيداع مستندات التأسيس لديها بالمخالفة للقانون على الرغم من أن القانون خولهّا الحق في إخطار الممثل القانوني للمنظمة حال عدم صحة أو عدم استيفاء أي من المستندات اللازمة للتأسيس وذلك خلال ثلاثين يومًا من الإيداع، كما خولهّا حق اللجوء للمحكمة العمالية حال عدم التخلف عن تنفيذ ما ورد بالإخطار، فيترتب على ما تقدم تعطيل غير مبرر لإنشاء وتأسيس المنظمات النقابية، وذلك على الرغم من نص القانون على ثبوت الشخصية الاعتبارية للمنظمة النقابية من تاريخ إيداع الأوراق المطلوبة بالجهة الإدارية المختصة وتمارس نشاطها بحرية اعتبارًا من هذا التاريخ.
تأثيرات القانون على العمل الحر
يبدو أن هناك صعوبة كبيرة في ممارسة حق التنظيم النقابي لأصحاب العمل الحر ممن يمارسون مهنة أو حرفة لحساب أنفسهم أو لحساب الغير، لما يتسم به العمل الحر من كونه بطبيعته عمل فردي مؤقت أو عرضي وغير خاضع لقانون خاص ينظمه كمهنة، وهو ما لا يتصور معه إمكانية تأسيس لجنة نقابية لمنشأة. لكن من الممكن تصور إمكانية إنشاء لجنة نقابية مهنية عمالية على مستوى مدينة أو محافظة إذا كان اتفق خمسون عاملًا على الأقل من أصحاب العمل الحر ممن تتوافر فيهم شروط العضوية على الانضمام إليها، وكان يجمعهم العمل في صناعات متماثلة أو مرتبطة ببعضها أو مشتركة في إنتاج واحد، كبداية لتنظيم نقابي للدفاع عن حقوقهم وحماية مصالحهم المهنية. إلا أن القيود المتعلقة بفهم السلطة التنفيذية للتطورات المتعلقة بالعمل الحر قد تشكل هي الأخرى عقبة في طريق ضمانة وجود تمثيل نقابي للعاملين بالعمل الحر
خلاصة واستنتاجات
الحراك التشريعي الجاري ربما يسفر عن بعض التغييرات المتعلقة بالتشريعات ذات الصلة بعلاقة العمل، إلا أن هناك ملاحظات أساسية تتعلق أولًا بأن التعديلات التي تجرى لا تنتهج فلسفة واضحة يمكن من خلالها رؤية كافة القواعد المتعلقة بعلاقة العمل والنظر لها كوحدة متكاملة يجب أن يتم ضبط إيقاعها بشكل متناغم. الأمر الآخر يتعلق بمدى كفاية التشريعات الحالية والتعديلات التي تتم عليها من التطورات المتعلقة بتغير شكل علاقات العمل، وخاصة في ظل تنامي مفهوم العمل الحر وما يتعلق به من تغير الشكل التقليدي لعلاقة العمل، ومن ثم بالإشكاليات المرتبطة بهذا النمط من تعاقدات .وحقوق العمال وتمثيل في الإدارة وغيرها من الحقوق.